بعد ملحمة أجاكس أمستردام أمام العملاق الاسباني
ريال مدريد التي أبان فيها حكيم زياش عن علو كعبه، عاد نجم أسود الأطلس ليؤكد من جديد تألقه حين حقق رفقة فريقه الهولندي الثلاثاء الماضي انتصارا مهما على طوطنهام الإنجليزي بعقر داره بهدف لصفر كان لحكيم دور كبير في إحرازه بعد تمريرة رائعة لزميله فان دو بيك. وأصبح النجم المغربي بعد هذا الانتصار قاب قوسين أو أدنى من بلوغ نهائي دوري عصبة الأبطال الأوربية.
تألق زياش في إحدى أهم المنافسات العالمية خاصة أمام الريال أثار إعجاب الناخب الوطني هيرفي رونار الذي اعترف بخطئه في حق هذه الموهبة الفذة، معبرا عن أسفه لعدم اعتماده ضمن التشكيل الرسمي للنخبة الوطنية في كأس إفريقيا للأمم 2017، حيث قال : “في تلك الأمسية (إقصاء أجاكس للريال) بعث حكيم برسالة إلى المستقبل، لأنه فعل كل شيء، سجل ومرر بسخاء وفتح الممرات… لقد برهن على أنه فهم كل شيء في كرة القدم في أعلى مستوياتها”.
الصحف العالمية المتخصصة، ومن بينها مجلة «سو فوت» الفرنسية، تحدثت أيضا بإسهاب عن الفتى الذي أذل الفريق الملكي حين فتح باب النصر على مصراعيه أمام زملائه بتسجيله هدفا مبكرا إثر تمريرة من دوسان تاديتش، وهو نفس الاعب الذي سرق منه الرقم 10 المفضل لديه حين حل بالفريق قبل ثمانية أشهر. وبظهوره اللافت أمام الريال أرسل حكيم رسالة قوية إلى كل من لم يوفه حقه وعلى رأسهم مدربه السابق ماركو فان باسطن.
الفتى العنيد الذي يحب الحرية
حكيم زياش يتسم بطبع خاص، فهو يميل إلى الحرية ويتشبث بموقفه. ولعل ذلك هو سبب اختياره الالتحاق بفريق إف سي توينتي في 2014 بدل فاينورد، حيث أصر المدرب فريد روتن على وضعه في أي مركز إلا الرقم 10. وقد عانى من الأمر ذاته مع مدرب هيرنفين ماركو فان باسطن. في هذا الشأن يري فوب دو هان، المدرب التاريخي لهرنفين : «حكيم لاعب مبدع يحتاج الي مساحات من اجل التعبير الا ان المشكل هو تمسكه بالرقم 10 حين حل بالفريق الأول (بعد ان لعب ثلاث مباريات ضمن الامل) وهو ما جعله يصطدم بفان باسطن الذي كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث كان يريده كجناح لا غير ولا احد بإمكانه فرض رأيه علي النجم الهولندي السابق».
فان باسطن لم يستسغ حمل حكيم لقميص الاجاكس قبل القميص البرتقالي.
في صيف 2012 كان حكيم ذي 19 عاما على أهبة الاستعداد للانطلاق مع فريق الكبار، حيث وقع على مستوى لافت في مباراة إعدادية وسجل هدفا رائعا من ضربة حرة ما جعل فان باسطن يمنحه فرصة في بوخاريست ضمن منافسات أوروبا ليغ قبل ان يغير رأيه ثلاثة أيام بعد ذلك حين قرر فجأة إخراجه قبل الشوط الثاني في مباراة جمعت هرنفيين بنيك نيميك في الدوري الهولندي. يقول حكيم : «لم يتم أبدا توضيح الأمر… فان باسطن اسم كبير لكنه ليس جيدا كمدرب، فهو لا يستطيع التواصل مع اللاعبين».
“في تلك الأمسية (إقصاء أجاكس للريال) بعث حكيم برسالة إلى المستقبل، لأنه فعل كل شيء، سجل ومرر بسخاء وفتح الممرات… لقد برهن على أنه فهم كل شيء في كرة القدم في أعلى مستوياتها”، هيرفي رونار
«حكيم كان دائما لديه انطباع بأن الجميع ضده، ولم يكن يقبل عدم إدراجه في المباريات لأنه كان يعتقد أنه افضل من الجميع… أحيانا كثيرة كان ينغلق على نفسه وهنا يبرز دور المدرب من الجانب النفسي…»، يضيف دو هان.
حكيم اليتيم، من الانحراف إلى الاعتراف
كان لوفاة زياش الأب تأثير كبير على نفسية الفتى ذي العشر سنوات. وكان على والدته ان تتحمل مسؤولية 9 أطفال، أربع بنات وخمسة أولاد، إثنان منهما دخلا السجن بسبب السرقة. لورنس سيكارلاكي المؤطر بالمركز الاجتماعي لمدينة درونتن الهادئة، حيث نشأ حكيم، يرى في نجم الأجاكس «نموذجا للإنقاذ»، حيث بدأ الصبي يفقد التوازن تدريجيا بعد وفاة والده كما بدأ يفقد حبه لمداعبة الكرة. في هذه الظرفية القاسية كان دور عزيز دوفيكار، أول مغربي لعب في الدوري الهولندي، حاسما في إعادة حكيم الى السكة الصحيحة، حيث أقنعه بالعودة الى ممارسة كرة القدم وأنها السبيل الوحيد للخلاص من براثن الانحراف. ومن هنا كانت الانطلاقة سنة 2001 بفريق ريال درونتن المحلي. وعن هذه الفترة يحكي حكيم : «كنت أذهب الى النادي نصف ساعة قبل الموعد وكنت ألعب الكرة خلال فترة الاستراحة، أذهب الى المنزل لتناول وجبة خفيفة ثم أعود الى النادي بسرعة… كنت الطفل الوحيد الذي يسمح له باللعب مع الكبار في الحي…». بعد سلسلة من الاختبارات الفاشلة وضع حكيم ابن 16 ربيعا الرحال بنادي هرنفين بشمال البلاد. في هذه الفترة كاد أن ينزلق من جديد في بركة الانحراف. ومن بين الأشخاص الذين حالوا دون ذلك أخوه فوزي. «كنت غالبا ما أرافق حكيم إلى ملعب كرة القدم داخل القاعة، كانت الطريقة الوحيدة لجعله يستمر في الممارسة».
داخل قلعة الأجاكس، تمكن حكيم زياش من انتزاع لقب افضل موزع بدون منازع في الدوري الهولندي.
في هرنفين كان حكيم يشعر بنوع من التمييز. «كنت دائما الأفضل ومع ذلك كنت اللاعب الوحيد الذي لا يحظى بأي اتصال من أي نادي». أمام هذا الحيف، كان حكيم صعب المراس، يرد بصراحة وبلهجة شديدة على منتقديه، ولعل هذا هو سبب خلافه مع فان باسطن الذي لم يستسغ حمل حكيم لقميص الاجاكس قبل القميص البرتقالي. لكن الأهم من كل ذلك أن نجم أجاكس أمستردام الحالي تمكن بعد فترة عصيبة من الشد والجذب من إثبات قدراته وجعل الجميع يتفق على موهبته الكبيرة، بمن فيهم منتقدوه.
كان حكيم يستعمل نقد الآخرين ومضايقتهم له كدافع للمضي قدما في رفع التحدي. داخل قلعة الأجاكس، تمكن حكيم زياش من انتزاع لقب افضل موزع بدون منازع في الدوري الهولندي. ورغم حبه للرقم 10 إلا أنه لم يتأثر حين قرر المدرب مارك أوفرمارس أخذه منه وإسناده إلى الوافد الجديد دوسان تاديتش. واليوم بعد مثابرة وجهد كبيرين صار قميص النادي الإول في هولاندا ضيقا على الفتى الحكيم ذي الموهبة الفذة، وهو يستعد الآن للتحليق عاليا ليستقر في أحد الأندية الكبيرة التي تطلب وده، ومن ضمنها النادي البافاري.